الاثنين، 12 سبتمبر 2022

***من اللمسات البيانية فى سورة هود***

 ***من اللمسات البيانية فى سورة هود***

آية (1):

*ما المقصود بوصف الكتاب فى قوله تعالى (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود)؟(د.فاضل السامرائى)

أحكمت آياته أي ليس فيها خلل. قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى.

*(الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود) لماذا قال تعالى (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالبناء للمجهول ثم بيّن الفاعل (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)؟ (د.فاضل السامرائى)

السؤال لماذا بدأ بالمجهول ثم ذكر الفاعل؟. المعروف في النحو واللغة أن المُسنَد إليه هو المتحدَّث عنه والمُسنَد هو المتحدث به عنه. من المسنَد إليه الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر وما أصله مبتدأ وخبر، من المسنَد إليه بالذات الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ. إذا أراد الحديث عن نائب الفاعل بنى الفعل للمجهول وإذا أراد الحديث عن الفاعل ذكره. عموم الكلام ماذا يريد المتكلم؟ هل الكلام عن الفاعل أو عن نائب الفاعل؟. نأتي للآية في سورة هود، الحديث عن الكتاب وتعظيمه لا على من أحكم وفصّل أي الله سبحانه وتعالى (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) الكلام على الكتاب وأنه أُحكمت آياته ثم فُصلت وليس الكلام عن الحكيم الخبير وإنما هذا فقط ذكره لتعظيم الكتاب، لما قال (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) من الذي أحكم وفصّل؟ فذكر (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هذا من باب التعظيم للكتاب. مثلها ما ورد في الأعراف (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)) (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) إذن الكلام عن الكتاب والكلام عن الكتاب يبدأ بالسورة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) فإذا كان الكلام على الفاعل ذكر الفاعل وإذا كان الكلام عن نائب الفاعل ذكره. مثال (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) يتكلم عن الله، ذكر الكتاب في (أَنزَلَهُ) لكن الكلام عن الفاعل عن المنزِل لا عن المنزَل (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان). (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ (285) البقرة) بماذا يؤمن؟ بالكتاب. (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) الزمر) (إِنَّا أَنزَلْنَا) الكلام عن الله وليس عن الكتاب. فإذن هناك إذا كان الكلام عن نائب الفاعل يبنيه للمجهول. أليس هناك فرق بين (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؟ (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الكلام عن الكتاب لكن يذكر من المنزِل فيما بعد لتعظيم الكتاب ليس للكلام عن الفاعل وإنما لتعظيم الكتاب، (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من أنزله؟ الله، إذن (أنزل إليك من ربك) هذا استكمال لتعظيم الكتاب.

إذن البناء للمجهول له أغراض؟.

طبعاً له أغراض، عن ماذا تريد أن تتحدث؟ هذا من البلاغة والبيان يركز على ما يريد التحدث عنه. حتى إذا ورد الفاعل فهو لغرض ما يتعلق بالكتاب يعني بنائب الفاعل أيضاً وليس بالفاعل لكن بما يأتي بالغرض في هذا السياق حسب الحاجة وحسب ما يريد المتحدث أن يتحدث عنه.

آية (7):

* ما دلالة كلمة ليبلوكم في الآية ( (7) هود) ؟(د.حسام النعيمى)

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) هود) كلمة ليبلوكم، الإبتلاء هو الاختبار والامتحان والفعل يبلو متعلق بـ (خلق) يعني خلق هذه الأشياء من أجل امتحانكم ومن أجل ابتلائكم. هذا الكون كله خُلِق وأنتم خُلِقتم أيضاً من أجل الابتلاء والامتحان من سيكون مطيعاً لله سبحانه وتعالى ومن سيكون عاصياً؟. التعلق بخَلَق، ليبلوكم متعلقٌ بخَلَق وليس بما وراء خلق (في ستة أيام) وإن كانت كل هذه المعاني داخلة ضمن الامتحان والاختبار هي جزء منه، لما يسأل الإنسان لماذا ستة أيام؟ ما المراد بالعرش؟ ما المراد بالماء؟ كيف كان عرشه على الماء؟ هذا كله يندرج بالغيب الذي يؤمن به المؤمنون (الذين يؤمنون بالغيب) لأن كل ما غاب عنا إدراكه الخوض فيه هو كدٌ للذهن لا يوصل إلى نتيجة. ممكن أن تأتي بعض النظريات والأقوال هذا كله ليس من شأن القرآن الكريم. الإيمان بهذا النص القرآني هو جزء من الإيمان بالله سبحانه وتعالى وهذا الجزء أو هذه المساحة التي قلنا عنها أكثر من مرة اللفظ العام مفهوم لكن هناك مساحة في بعض الآيات هي مفهومة من حيث اللغة لكن فيها مساحة للغيب (قلنا هذا أكثر من مرة لكن الإعادة فيها نوع من الصالح).

فإذن (ليبلوكم) دلالتها ليختبركم أي أن هذا الوجود هو من أجل اختباركم أي أن تختبروا و الاختبارلا تعني أن الله سبحانه وتعالى لم يكن يعلم لأن الله عز وجل المستقبل في عينه ماضي. لكن حتى الإنسان الذي يدخل الجنة يعلم لماذا دخل الجنة.

الفرق بين البلاء والابتلاء: بلاه بالشيء وابتلاه كلاهما بمعنى اختبره مثل خَبِِر الأمر واختبر الأمر لكن الإختبار كأن فيه نوع من العمل. لما تقول خبرت هذ الشيء أي صار عندك خبرة به بجهد يسير إنما إختبرته فيه جهد، مثل جهد في الأمر واجتهد في الأمر، إفتعل فيه معنى بذل الجهد. ليبلوكم أي ليعلم من أخباركم علم ظاهر، أو علماً ظاهراً لأن العلم الباطن عند الله سبحانه وتعالى معلوم لكن حتى المخلوق يقتنع أن هذا حقّه بناء على فعله.

*ما دلالة إختلاف تشكيل كلمة ليقولن في سورة هود (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ (8))؟(د.فاضل  السامرائى)

ليقولَن بالفتح لأنه ذكر الفاعل بعدها (الذين كفروا)، لأن الفعل يُفرد مع الفاعل. أما الثانية (ليقولُنّ) بالضم لأن الفعل محذوف واو الجماعة، الأصل (يقولون) ثم دخلت نون التوكيد فهذا جمع وذاك مفرد. مع الجمع يقول (ليقولُنّ) ومع المفرد (ليقولَنّ) الفعل يفرد مع الفاعل نقول حضر الرجال، يحضر الرجال ولا نقول يحضرون الرجال، ليحضرنّ الرجال وإذا ذهب الفاعل وكانوا مجموعين نقول ليحضرُنّ، لا نقول ليحضرَن الرجال. إذا كان الفاعل مذكوراً يفرد الفعل مع الفاعل. والثانية الفاعل واو الجماعة فقال ليقولُنّ.

وفى إجابة أخرى:في الآية الأولى في سورة هود الفعل يُبنى على الفتح لأن نون التوكيد باشرت الفعل المضارع لأنه مُسند إلى اسم ظاهر (الذين كفروا) والفعل يُفرد مع الفاعل وهذه قاعدة إذا كان الفاعل ظاهراً فنأتي بالفعل في حالة الإفراد ويُبنى على الفتح لأن نون التوكيد باشرته كما في قوله تعالى (وإذا جاءك الذين كفروا) ولا نقول جاءوك الذين كفروا.

أما في الآية الثانية فالفعل مُسند إلى واو الجماعة ولم تباشره نون التوكيد وأصل الفعل إذا حذفنا نون التوكيد (يقولون) والآية 8 من سورة هود (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)).

ولهذا فلا بد أن يكون الفعل في الآية الأولى مبني على الفتح لأنه مُسند إلى اسم ظاهر (ليقولَّن) والثاني مُسند إلى واو الجماعة (ليقولُنّ) مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين. أصل الفعل يقولون مرفوع بثبات النون وعندما جاءت نون التوكيد الثقيلة يصبح عندنا 3 نونات ويصبح هذا كثيراً فيحذفون نون الرفع وتبقى نون التوكيد واللام لام الفعل.

وفي الآية الأولى اللام في (ليقولنّ) واقعة في جواب القسم. (لئن) اللام موطّئة للقسم و(إن) الشرطية و(لئن) قسم. واللام في الاثبات لا بد أن تأتي في الجواب (حتى يكون الفعل مثبتاً). فإذا قلنا لئن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون يُصبح الفعل منفيّاً. في جواب القسم إذا أجبنا القسم بفعل مضارع إذا كان الفعل مثبتاً فلا بد من أن نأتي باللام سواء معه نون أو لم يكن معه نون كأن نقول "والله لأذهب الآن، أو والله لأذهبنّ" فلو حُذفت اللام فتعني النفي قطعاً فّإذا قلنا والله أذهب معناها  لا أذهب كما في قوله تعالى في سورة يوسف (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)) بمعنى لا تفتأ. فمتى أجبت القسم بالفعل المضارع ولم تأت باللام فهو نفي قطعاً كما في هذه الأبيات:

رأيت الخمر صالحة وفيها             مناقب تُفسد الرجل الكريما

فلا والله أشربها حياتي                ولا أشفي بها أبداً سقيما

آية (13):

* ما الفرق البياني بين قوله تعالى (من مثله)فى سورة البقرة و(مثله)فى سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)

تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) وقال في سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)).

أولاً ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله) ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء من مثله فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون فإن كان موجوداً ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما.

هذا الأمر طبع الآيات كلها . أولاً قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب) وفي آية سورة هود قال تعالى (افتراه) وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه) أن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب (يقولون ساحر) يقولون يعلمه بشر)( يقولون افتراه) أمور الريب أعم وأهم من الإفتراء والإفتراء واحد من أمور الريب.

والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول r. وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بعشر سور مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله).

ثم هناك أمر آخر وهو أنه حذف مفعولين الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة كأن نقول: "(قد كان منك ما يؤذيني" هذا خاص و" قد كان منك ما يُؤذي" وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محدد واضح لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (سياق التحديد ظاهر جداً والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق فحذف هنا).

ونسأل هنا هل يمكن أن نضيف كلمة مفتراة في آية سورة البقرة فيقول مثلاً فاتوا بسورة من مثله مفتراة؟ في آية سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) كما قال في (مفتريات)في سورة هود؟

فنقول أن هذا التعبير لا يصح من جهتين: أولاً هم لم يقولوا افتراه كما قالوا في سورة هود. والأمر الآخر وهو المهم أنه لا يُحسن أن يأتي بعد "من مثله" بكلمة مفتراة لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. والأمر الآخر لا يصح كذلك أن يقول في سورة هود مع الآية (أم يقولون افتراه) أن يأتي بـ "فاتوا بسورة من مثله" بإضافة (من) وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام "مثله" بدون "من" (فاتوا بسورة مثله) لأن استخدام "من مثله" تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقول (فاتوا بسورة من مثله) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذن لا يمكن استبدال أحاهما بالأخرى أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة كما لا يمكن قول (من مثله) في سورة هود.

والأمر الآخر أيضاً أنه تعالى قال في آية سورة البقرة (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولم يقل ادعوا من استطعتم كما قال في هود (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ونسأل لماذا جاءت الآية في سورة هود بـ (وادعوا من استطعتم) ولم تأتي في آية سورة البقرة؟ ونقول أنه في آية سورة البقرة عندما قال (من مثله) افترض أن له مثل إذن هناك من استطاع أن يأتي بهذا المثل وليس المهم أن تأتي بمستطيع لكن المهم أن تأتي بما جاء به فلماذا تدعو المستطيع إلا ليأتي بالنصّ؟ لماذا تدعو المستطيع في سورة البقرة طالما أنه افترض أن له مثل وإنما صحّ أن يأتي بقوله (وادعوا شهداءكم) ليشهدوا إن كان هذا القول مثل هذا القول فالموقف إذن يحتاج إلى شاهد محكّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين. أما في آية سورة هود فالآية تقتضي أن يقول (وادعوا من استطعتم) ليفتري مثله، هم قالوا افتراه فيقول تعالى ادعوا من يستطيع أن يفتري مثله كما يقولون. إذن فقوله تعالى (وادعوا شهداءكم) أعمّ وأوسع لأنه تعالى طلب أمرين: دعوة الشهداء ودعوة المستطيع ضمناً أما في آية سورة هود فالدعوة للمستطيع فقط.

ومما سبق نلاحظ أن الآية في سورة البقرة بُنيت على العموم أصلاً (لا ريب، من مثله، الحذف قد يكون للعموم، ادعوا شهداءكم). ثم إنه بعد هذه الآية في سورة البقرة هدّد تعالى بقوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)) والذي لا يؤمن قامت عليه الحجة ولم يستعمل عقله فيكون بمنزلة الحجارة.

ثم نسأل لماذا حدد في آية سورة هود السور بعشر سور؟ هذا من طبيعة التدرج في التحدي يبدأ بالكل ثم بالأقل فالأقل.

* ما الفرق بين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) و(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)هود (د.حسام النعيمى)

التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور)، والطور سورة مكية، الحديث يمكن أن يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديث مثله: الحديث مطلق. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) بسورة مثله، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) هود) بعشر سور، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) هذه السور المكية بعضها قال بحديث، آية من مثله لذلك نقول ما ورد في كتاب الله عز وجل هو ليس نقلاً حرفياً للكلام وإنما هم قالوا كلاماً والقرآن الكريم يأتي به مصوغاً بما يناسب أعلى درجات الفصاحة والبلاغة. ليس هو هذا الذي قاله، حتى عندما يقول (وقالوا كذا) فهذا ليس قولهم حرفياً لأن هذا كلام الله تعالى وذلك كلامهم ولما يكون الكلام لغير العرب كلاماً قديماً هو ليس ترجمة حرفية كما قلنا وإنما هو حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم. فإذن كان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً يقول لهم: فإتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة. سورة واحدة فكان يقول (مثله), في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة). هنا القرآن إنتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم (بسورة من مثله) لو قال : بسورة مثله كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم. (من) هذه للتبعيض، هو هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فاتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. لما تأتي (مثل) ويأتي عليها حرف في شيء ليس له مثل معنى ذلك توكيد كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) الكاف للتشبيه، ومثل للتشبيه معناه أنه لو تخيلتم لو أن تصوّركم أنجدكم بأن تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أن تأتوا بمثل ذلك المثال ، بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس من قوله (مثله) مباشرة.

بسورة مثله أي بسورة مماثلة، (من مثله) يعني  بسورة من بعض ما تتخيلونه مماثلاً. هذا إمعان في التحدي وأبعد لأنه صار القرآن منتشراً. فلو تخيلت أيها السامع شيئاً يماثل القرآن وهذا غير ممكن لأنه سبق وقال تعالى (لا يأتون بمثله) فإتوا ليس بمثله بمثل هذا الذي تخيلتم وإنما بجزء من مما تتخيلونه مماثلاً له فكان أبعد من التحدي لأن هذه الآية نزلت في المدينة بعد أن كان القرآن قد إنتشر وعمّت الرسالة. كما قال الله عز وجل (ليس كمثله شيء) يعني لو أن عقلك تخيّل مثالاً فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لو تخيّلت مثالاً يعني إبعاد للصورة.

*ما اللمسة البيانية في استعمال صيغة المضارع مرة وصيغة الماضي مرة أخرى في قوله تعالى (من كان يريد الآخرة) و (من أراد الآخرة)؟(د.فاضل السامرائى)

استعمال فعل المضارع مع الشرط يكون إذا كان مضمون أن يتكرر. أما استعمال فعل الماضي فالمضمون أن لا يتكرر أو لا ينبغي أن يتكرر. كما نلاحظ أيضاً في قوله تعالى (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) ينبغي تكرار الشكر لذا جاء بصيغة الفعل المضارع (يشكر) أما الكفر فيكون مرة واحدة وهو لا ينبغي أن يتكرر فجاء بصيغة الماضي في قوله (كفر). كذلك في قوله تعالى (من قتل مؤمناً خطأ) المفروض أن القتل وقع خطاً وللمفروض أن لا يتكرر أما في قوله تعالى (من يقتل مؤمناً متعمداً) هنا تكرار للفعل لأنه قتل عمد.

آية (20):

* ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة السماء في آية سورة العنكبوت وعدم استخدامها في آية سورة  هود؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة العنكبوت (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22))  وقال فى سورة هود (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)) الكلام في سورة هود متعلق بالآخرة وبمحاسبة أهل الأرض أما السياق في سورة العنكبوت ففي الدعوة إلى النظر والتدبر في العلم والبحث (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)) وهذا هو الذي يوصل إلى السماء، سيكون البخث والنظر والتدبر للعلم سيجعله يصعد للسماء وحتى عند ذلك لن يكون معجزاً. وهذا الذي يجعل الإنسان ينفذ إلى السماء. ثم إن كلمة السماء نفسها وردت في سورة العنكبوت 3 مرات وفي هود مرتين وبهذا فإن سورة العنكبوت هي التي ورد فيها ذكر السماء أكثر من سورة هود ولهذا ذُكرت السماء في آية سورة العنكبوت ولم تُذكر في آية سورة هود. فالسمة التعبيرية للسورة أنه سوف تصعدون إلى السماء لكنكم لا تكونوا معجزين هناك.

آية (22):

*ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية فى قوله تعالى:(لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22) هود) (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109) النحل)؟.فاضل  السامرائى)

الأخسرون أشد خسارة آية هود التي ذكر فيها الأخسرون هي فيمن صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم أما آية النحل فهي فيمن صد هو ولم يصد غيره. في هود قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)) في النحل قال (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)) لو لخصنا ما في هود وما في النحل قال في هود يصدون عن سبيل الله، يبغونها عوجاً، وهم بالآخرة هم كافرون، ما كان لهم من دون الله من أولياء، يضاعف لهم العذاب، ما كانوا يستطيعون السمع، ما كانوا يبصرون، يفترون على الله ، في النحل قال استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، إن الله لا يهدي، طبع الله على قلوبهم وأبصارهم. فبسورة هود ذكر معاصي أكثر من النحل فاستعمل الأخسرون مع الكثير من المعاصي والخاسرون مع المعاصي الأقل.

آية (28):

*ما الفرق بين آتاني منه رحمة (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً (63) هود) وأتاني رحمة من عنده (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ (28) هود)؟(د.فاضل السامرائى)

هنالك شقان للسؤال شق اختيار منه رحمة ورحمة من عنده والشق الثاني التقديم والتأخير. نأخذها مسألة مسألة. في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ (8) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود). حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا. ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا. قال في الأنبياء (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له وفكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.

سؤال: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟

هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.

*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في قوله تعالى فى سورة هود (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ) و قوله تعالى (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً )؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى سورة هود: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ {28}‏) وقوله تعالى في سورة هود أيضاً (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63}). في الآية الأولى قدّم الرحمة على الجارّ والمجرور، والآية تتكلم عن الرحمة (فعمّيت، أنلزمكموها، وأنتم لها كارهون) كلها تعود على الرحمة لذا اقتضى السياق تقديم الرحمة على الجارّ والمجرور. أما في الآية الثانية فالآية تتكلم عن الله تعالى (ربي، الله، منه، الضمير في عصيته) كلها تعود على الله تعالى لذا اقتضى السياق تقديم (منه) على الرحمة.

*ما هو إعراب الضمائر في (أنلزمكموها) و (فسيكفيكهم الله)؟(د.فاضل السامرائى)

أنلزمكموها: الفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، (كم) المفعول الأول لأن ألزم يأخذ مفعولين، والواو للإشباع بين الضميرين وليست ضميراً حتى لا يقرأها (أنلزمكُمُها)، (ها) مفعول ثاني.

فسيكفيكهم الله: الكاف مفعول أول لأن كفى تأخذ مفعولين، (هم) مفعول ثاني، (الله) لفظ الجلالة فاعل. فسيكفيك الله إياهم، مثل زوجناكها: الكاف مفعول أول، (ها) مفعول ثاني وهي بمعنى زوجناك إياها. (سلنيه) وصِلأ أو افصِل هاء سلنيه، سلنيه: إسأل فعل أمر، الياء مفعول أول والهاء مفعول ثاني والنون للوقاية إن شئت قلت سلنيه وإن شئت قلت سلني إياه.

آية (29):

* ما الفرق بين قوله تعالى (لا أسألكم عليه مالاً) وقوله تعالى (ولا أسألكم عليه أجراً) في سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في قصة نوح u في سورة هود (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)) وقال تعالى في قصة هود مع قومه في نفس السورة (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)). لو لاحظنا سياق القصتين لوجدنا أنه في قصة نوح u قال تعالى (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ) جاء ذكر خزائن الله في الآية والمال يُوضع في الخزائن فاقتضى ذكر كلمة (مالاً) في قصة نوح أما في قصة هود u فلم ترد ذكر الخزائن وإنما قال (أجراً) لأن الأجر عام.

وهناك أمر آخر بين الآيتين وهو أنه في الأولى ذكر (إن أجري إلا على الله) بذكر لفظ الجلالة (الله) بينما جاء في الثانية (إن أجري إلا على الذي فطرني) بذكر (فطرني) بدل الله. والسبب أنه لو نظرنا من ناحية السمة التعبيرية في القصتين لوجدنا أن كلمة (الله) وردت في قصة نوح u عشر مرات بينما وردت ثلاث مرات في قصة هود u. هذا من ناحية وهناك أمر آخر وهو أنه تعالى ذكر في قصة نوح u كلمة (الله) إسم علم وفي هود ذكر (الذي فطرني) أي عدّى الفعل إلى ذاته أي ضمير المتكلم كما نلاحظ في قصة هود ارتباط الأمور بشخص هود u (إن نقول إلا اعتراك، كيدوني، إن توكلت، ربي،..) فمن الذي سينجيه من الكيد؟ الذي فطره فهو الذي خلقه ويحفظه من كل سوء فالأمر إذن شخصي وليس عامّاً فاقتضى ذكر (الذي فطرني). كذلك في سورة هود قال تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)) وهذه الآية تدل على أن الله تعالى يفطر قوماً آخرين غيرهم فالذي فطرني أنسب للذكر في قصة هود u من كلمة الله التي هي أنسب في قصة نوح u.

وننوه إلى أن هناك فرق بين الخلق والفَطر ولكل منها تميّز دلالي فالخلق غير الفَطر . الخلق قد يستعمله البشر بمعنى التصوير مثلاً وهو لفظ عام كما جاء على لسان عيسى u (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) وهي تستعمل سواء للخلق الابتدائي أو التصوير. أما الفَطر فهو ابتداء الشيء وهذا خاص بالله تعالى.

آية (30):

*ما دلالة (من) في قوله تعالى ((وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {30}))و (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63}) فى سورة هود؟ (د.فاضل السامرائى)

يقول النحاة أن (نصرناه من) تعني نجّيناه من و(نصرناه على) تفيد الإستعلاء. ونسأل لماذا لم يستخدم سبحانه كلمة (ينجنى من) بدل ينصرنى من؟ ونقول أن الفرق بين نجيناه من ونصرناه من أن الأولى تتعلق بالناجي نفسه أما الثانية فهي تتعلق بالجانبين بمعنى أنه نجّى نوحاً وعاقب الآخرين  فالنصرة هنا نجاة للناجي وعقاب لخصمه.

آية (31):

* ما دلالة ذكر لكم في قوله تعالى في سورة الأنعام (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) وعدم ذكرها في آية سورة هود (وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)؟ (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة الأنعام في قصة نوح u (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)) بينما قال في قصة نوح u في سورة هود (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)) لو لاحظنا الكلام في سورة الأنعام نجده أشدّ وفيه تحذير شديد من قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) ) بينما في سورة هود سياق الآيات فيه تلطّف.

* ما دلالة ضمير الغائب في (يؤتيهم) في آية سورة هود (وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا)؟ ولماذا لم يستعمل يؤتيكم؟ (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة هود في قصة نوح u (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)).

اللام لها معاني كما يقول النحاة ويقولون أن حروف الجرّ تخرج إلى معاني ويذكرون (من) لها معاني بعض وبين والابتداء. واللام في (للذين) لها معاني والنحاة يخرجونها تخريجين من حيث النحو ولكل منهما معنى خاصاً به:

v     الأول أن تأتي بمعنى (عن) بمعنى لا أقول عن الذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا. (قطعاً سيقول هنا لن يؤتيهم لأنه يقول عنهم). وفي الآية نوح u يخاطب الفئة الكافرة يحدّثهم عن المؤمنين الذين تزدري أعينهم. فلو كانت اللام بمعنى عن فاستعمال يؤتيهم صحيح لأنه يخاطب فئة عن الفئة الأخرى فيجب قول (لن يؤتيهم). وينتفي السؤال هنا أصلاً في هذه الحالة فهو لا يخاطب الذين تزدري أعينكم وإنما يخاطب الفئة الأخرى.

v     والثاني أن اللام تفيد التعليل بمعنى لأجل هؤلاء أو لغرض هؤلاء فالأصح هنا أن يقول لن يؤتيهم الله خيراً. كما قيل: وضرائر الحسناء قلن لوجهها    حسداً وبغضاً إنه لدميم (اللام في لوجهها تحتمل عن وجهها أو لوجهها).

ففي الحالتين استعمال يؤتيهم هو المناسب للآية.

آية (34):

*ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)

إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر.

آية (35):

* ما الفرق بين الآيتين (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) سبأ) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود)؟ وما دلالة نسب الإجرام للمؤمنين والعمل لغير المؤمنين؟ (د.فاضل السامرائى)

آية سبأ (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)) هي في سياق الدعوة والتبليغ والمحاجّة وهذا من باب الإنصاف في الكلام حتى يستميلهم يقول نحن لا نُسأل عما أجرمنا إذا كنا مجرمين كما لا تُسألون أنتم عن إجرامنا إذا كنا كذلك. أراد أن يستميل قلوبهم فقال (عما تعلمون) هذا يسموه من باب الإنصاف في الدعوة، غاية الإنصاف لا يريد أن يثيره خاصة في باب التبليغ يريد أن يفتح قلبه بالقبول وإذا قال تجرمون معناه أغلق باب التبليغ. وقال قبلها (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24)) هذا في باب الدعوة وفي باب التبليغ يجعله في باب الإنصاف في الكلام حتى لا يغلق الباب وهذا غاية الإنصاف. لأن السياق في سورة سبأ هو في سياق الدعوة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ (22)) (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ (24)) (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)) يريد أن يستميل قلوبهم وألا يغلق الباب فقال لهم كذلك.

في حين في آية سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود) هذه في قصة سيدنا نوح u (قل إن افتريته فعلي إجرامي) لأن الذي يفتري على الله تعالى مجرم (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ) إذا أنتم نسبتم إليّ الافتراء ولست كذلك أنتم مجرمون بحقي إذا نسبتم الإفتراء إليّ أني أفتري على الله وأنا لست كذلك فأنتم مجرمون بحقي إذن وإن افتريته فأنا مجرم (فعلي إجرامي) وإن لم أكن كذلك فأنتم نسبتم الافتراء إليّ وأنا بريء من ذلك فأنتم إذن مجرمون بحقي.

المقصود بتجرمون نسبة الافتراء إلى نبي الله هذا هو إجرام القوم في حقه، هذا أمر. والأمر الآخر قال (فعلي إجرامي) واحد وقال (تجرمون) جمع كثير وفيه استمرار لأنهم هم نسبوا إليه أمراً واحداً (افتريته) افترى الرسالة، افترى الكلام  (فعلي إجرامي) لكن هم مستمرون إجرامهم كثير مستمر هذا قيل في باب غلق الدعوة لما قال له ربه تعالى (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) هود) هنا مفاصلة وليس كتلك الآية السياق الذي فيها محاجّة يأمل أنهم يعودوا فيستميل قلوبهم، هذا انغلق هنا (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ) انتهت المسألة وصارت مفاصلة لأنه غلق باب الدعوة والتبليغ. (مما تجرمون) أي الإجرام المستمر من السابق وإلى الآن فتبقوا مجرمين إلى أن يهلككم ربكم لذا قال (تجرمون) ولم يقل من إجرامكم لأنه ليس إجراماً واحداً. ما يفعلونه من المعاصي هو إجرام مستمر لكن كلام نوح u كان منصباً على الافتراء (إن افتريته).

الواو في قوله تعالى (وأنا بريء) هي عطف جملة على جملة.

مع الرسول u قال (عما أجرمنا) هذا من باب الإنصاف كما أنت تتكلم مع شخص لا تريد أن تثيره فتقول: قد علِم الله الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، هذا غاية الإنصاف لا تقول له أنت كاذب.الرسول u يريد أن يفتح القلوب ويستميلها لا أن يغلقها هذا يسمى غاية الإنصاف في الكلام.

آية (37):

*ما دلالة الصيغة الإسمية فى قوله تعالى(وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) هود)؟(د.فاضل السامرائى)

لم يقل سأغرقهم. هذا في التعبير أقوى دلالة من الفعل. الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد.

آية (38):

*ما هو الفرق بين استهزأ بـ وسخر من؟ (د.فاضل السامرائى)

هنالك أمران في اللغة يذكران في الاستعمال القرآني: أولاً الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا (58) المائدة) الصلاة ليست شخصاً وإنما أقاويل وأفاعيل (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا (9) الجاثية) (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا (231) البقرة) (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص أما السخرية ففي الأشخاص تحديداً لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود). إذن الاستهزاء عام ومعنى الاستهزاء هو السخرية هم يقولون المزح في خفية وهو جانب من السخرية. الاستهزاء أعم من السخرية والسخرية خاصة بالأشخاص ولم ترد في القرآن إلا للأشخاص أما الاستهزاء فعامّ ورد في الأشخاص وغير الأشخاص (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) الرسول شخص (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا (9) الجاثية) ليس شخصاً. هذا أمر أن الاستهزاء عام في الأشخاص وغير الأشخاص والسخرية خاصة في الأشخاص خاصة في القرآن والأمر الآخر السخرية لم ترد إلا من فعل يفعله الشخص أما الاستهزاء فقد يستهزأ به من غير فعل. السخرية أنت تسخر منه وهو يفعل الفعل هذا أما الاستهزاء فليس كذلك. مثلاً نوح وهو يصنع الفلك هذا عمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود) هذا فعل وهم سخروا من فعل يفعله، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (79) التوبة) هذا فعل.

آية (40):

* ما الفرق بين اسلك واحمل في الآيات (فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (27) المؤمنين) (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود)؟ (د.فاضل السامرائى)

اسلك معناها أدخِل (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (32) القصص) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) أما اجمل فمن الحِمل معروف. الدلالة مختلفة ونرى هل طبيعة اسلك في نفس وقت احمل؟ أيها الأسبق أُسلُك أو احمل؟ أُسلك أسبق أولاً يدخل ثم يحمل. الآن ننظر في قصة نوح نفسها متى قال أُسلك؟ ومتى قال احمل؟. آية هود قال فيها احمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)) الأمر جاء وصنع الفلك. في آية المؤمنون (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)) هناك صنع الفلك وجاء الأمر. أُسلك قبل الحمل، عندنا حالتان حالة قبلها قبل الفعل وحالة قالها بعد الفعل، مع الأمر احمل وقبل الأمر أُسلك. القدامى قالوا السياق من أهم القرائن الدالّة على المعنى. لما نسمع أُسلُك يجب أن نفهم أن الأمر لم يصدر بعد ولما نسمع إحمل يكون الأمر قد صدر.

*ما دلالة فعل جاء فى الآية ((فإذا جاء أمرنا وفار التنور))؟ (د.فاضل السامرائى)

 إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.

من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.

قال تعالى في سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)) هنا أشقّ لأن فيه قضاء وخسران وعقاب.

* ما دلالة ضمير التعظيم في قوله تعالى ( قلنا ) ( أنزلنا) ؟ (د.فاضل السامرائى)

قال وأنزل تأتي بلفظ الإفراد وبلفظ التعظيم يأتي بـ قلنا وأنزلنا. إذا كان في مقام التعظيم يسنده إلى مقام التعظيم يقول (قلنا) وإذا كان في مقام التوحيد يكون في مقام الإفراد، يقول تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)طه) إذا كان في مقام التوحيد يُفرِد وإذا كان في مقام التعظيم يجمع. وقسم أيضاً يقول أنه إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع وإذا لم يكن كذلك يُفرِد. على سبيل المثال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) لأن النافخ تمثل لها بشراً سوياً بواسطة ملك أما عن آدم فقال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص). إذا كان الأمر بواسطة الملك يجمع (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) الملك يبلِّغ هذا. هذا أمر عام، لكن هناك أمر آخر نذكره وهو أنه في كل مقام تعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد في القرآن كله. لا تجد مكاناً للتعظيم إلا وسبقه أو جاء بعده ما يدل على الإفراد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) هذه تعظيم ثم يقول بعدها (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) رب واحد إفراد ما قال بأمرنا. لو قرأنا في سورة النبأ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) ثم قال (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36)) بعد كل جمع تعظيم إفراد. ليس هناك في القرآن موطن تعظيم إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على المفرد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر) لم يقل فصلِّ لنا. هذا لم يتخلّف في جميع القرآن مطلقاً. إذن عندنا مقام تعظيم ومقام توحيد، يجمع في مقام التعظيم ويفرد في مقام التوحيد ويقال أنه إذا كان بواسطة المَلَك يجمع مع إحتراز أنه ليس هنالك مقام تعظيم إلا وقبله أو بعده إفراد.

*ما دلالة كلمة (أهلك) في قوله تعالى في سورة هود (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40})؟(د.فاضل السامرائى)

أهلك هنا إسم أو فعل؟ الحكم القاطع هو إسم بمعنى الأهل وهناك مرجحات وهناك ما يقطع مبدئياً من الترجيح فالآية تشير أن الهلاك لم يحصل بعد لأنهم لم يركبوا. فالركوب لم يحصل ولم يحصل الهلاك فلا يصح أن تعتبر كلمة (أهلك) بمعنى الإهلاك. والأمر الآخر أنه لو كان (أهلك) فعل بمعنى الهلاك عادة يكون الإستثناء مفرّقاً والإستثناء المفرّق لا يكون إلا مسبوقاً بنفي أو ما يشبه النفي. (أهلك إلا من سبق عليه القول) مفرّق وليس مسبوقاً بنفي وهذا ما يُضعّف أن يكون أهلك بمعنى فعل الإهلاك.

أما الآية (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) في سورة المؤمنون فالضمير يعود على الأهل إذن نستدلّ من هذه الآية أن المقصود هو الأهل وليس فعل الإهلاك وهذه كلها مرجّحات. أما ما يقطع بأن المقصود هم الأهل فهو أنه لو كان أهلك فعل ماضي سيكون الناجون قسمين الأول (من سبق عليه القول) والثاني (من آمن) إذن من سبق عليه القول غير من آمن إذن فالناجون اثنين المؤمنون ومن سبق عليه القول وهؤلاء ليسوا مؤمنين لكن في الواقع أن الناجين هم المؤمنون فقط لذا فلا يمكن ولا يصح أن تكون النجاة لغير المؤمنين.

وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب ؟ المقصود بقوله تعالى (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.

*ولماذا قال تعالى في آية هود (احمل) (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40}) وفي سورة المؤمنون (فاسلك) (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}‏) فما المقصود بالسلوك؟ (د.فاضل السامرائى)

سلك هو النفاذ في الطريق كما قال تعالى (فاسلكي سبل ربك) سورة النحل وقد يأتي فيها معنى الدخول (ما سلككم في سقر) أما الحمل فيكون بعد السلوك أولاً يدخل السفينة ثم يحمل بعد دخوله. في سورة هود ذكر ما دلّ على الحمل لأن الحمل جاري في السفينة (حمل السفينة للأشخاص) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وهي تجري بهم بمعنى تحملهم (يا نوح اهبط بسلام) إذن سورة هود فيها حمل. بينما في سورة المؤمنون لم يذكر الحمل أو صورة الحمل (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).

والقول (من سبق عليه القول) أعمّ من القول (من سبق عليه القول منهم) فسورة هود مبنية على العموم وليس على الخصوص (إلا من سبق عليه القول ومن آمن) فلم يذكر تعالى من آمن أي هي أعمّ، وكذلك الآيات (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) (يا أرض ابلعي ماءك) (بُعداً للقوم الظالمين) (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وأمم ممن معك وأمم سنمتّعهم) أما في سورة المؤمنون فالسياق في التخصيص  فذكر تعالى السلام والبركات في سورة هود وهذا دليل العموم، وفي سورة المؤمنون لم يذكر السلام والبركات وإنما خصص كما في الآية (أنزلني منزلاً مباركاً)، ولهذا ذكر (منهم) و(اسلك) في سورة المؤمنون ولم يذكرهما في سورة هود.

* كلمة اثنين ترد أحياناً مع زوجين (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40)هود) وأحياناً لا ترد (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات) فما اللمسة البيانية في ورودها وعدم ورودها؟ (د.فاضل السامرائى)

اثنين معناه ذكر وأنثى (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) ذكر وأنثى، (وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (3) الرعد) تأنيث وتذكير، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) النجم) ذكر وأنثى، (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) القيامة) في آية الذاريات قال (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال وهذا ليس مقصوداً فيه الذكر والأنثى وإنما عموم المتضادات والمتقابلات مثل البروتون والإلكترون، هذان زوجان. الزوج هو الواحد في الأصل (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ (90) الأنبياء) الزوج هو واحد وتطلق على الذكر والأنثى، الرجل زوج والمرأة زوج وهذه أفصح اللغات أما (زوجة) فهذه لغة ضعيفة، لكن اللغة الفصحى هي زوج للذكر والأنثى والاثنان زوجان.

آية (41):

* ما دلالة الشكل المعيّن أسفل كلمة (مجراها) في قوله تعالى (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)) في سورة هود وأعلى كلمة (تأمنا) في قوله تعالى (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)) في سورة يوسف؟(د.حسام النعيمى)

         

هذه العلامة  مذكورة في مكانين في المصحف وهو رسم اتفاقي. العلامة موضوعة مرتين مرة في الأسفل وهي النقطة المعينة على شكل ثمانية وسبعة ملتقيتان  بهذه الصورة وهناك اتفاق أنه إذا وجدت وهي موجودة في سورة هود في الآية 41  في قوله تعالى على لسان نوح  (بسم الله مجراها ومرساها) (مجراها) (بالإمالة) هذه إشارة الى الإمالة والامالة يقولون أن تنحو بالألف نحو الياء وبالفتحة نحو الكسرة. جميع القرّاء قرأوها بالإمالة معناها ليست قبيلة واحدة كانت تميل وإنما هذه الكلمة ممالة عند جميع من قرأ من القرّاء وقد يكون من غير السبعة من قرأها بدون إمالة. مُجراها أو مَجراها فقارئء القرآن لا يجوز أن يقرأها مجراها يجب أن يقرأها (مجراها) بالإمالة يتعلمها.

هذه في سورة هود وفي سورة يوسف وضعت النقطة ◊ فوق النون في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (مالك لا تأمنا على يوسف) إشارة إلى أنه إذا قرأت هذه الكلمة في نطقك بين الميم والنون تضم الشفتين كأنك تريد أن تقول هناك ضمة محذوفة لأنه الأصل تأمننا.فأيضاً هنا حقيقة ينبغي أن يحاول القارئء أن يضم شفتيه. 

توضيح: في قوله تعالى (تأمنا) بهذه الصورة بالإشمام بعضهم سمّى هذا الإشمام رَوْماً يعني كأنك تروم إظهار الحركة. الرَوْم لا يكون إلا في حال الوقف وإذا كانت الكلمة مضمومة أو مكسورة هنا يكون رَوْم وفُسّر الرَوْم عندهم عند علماء اللغة أنه محاولة لإظهار شيء من الحركة عند الوقف كأنما لبيان أن هذه الكلمة مرفوعة أو أن هذه الكلمة مجرورة وليست مبنية. أما في (بسم الله مجراها) فهي بفتح الميم والإمالة عند حفص (ونحن نقرأ برواية حفص) حفص عن عاصم وهذا الكلام ينفع المختصين لكن لا بد أن يستمع الإخوة له لأنه اختلطت معلومتان: (لا تأمنا) السبعة. (بسم الله مَجراها) الذي أمال مع الفتح هو حفص عن عاصم بينما شعبة حقيقة سنأتي له رواية أخرى عن عاصم. حفص عن عاصم والكسائي وحمزة من قُرّاء الكوفة هؤلاء قرأوا (مَجراها). بضم الميم والإمالة أيضاً يعني (مُجراها) أبو عمرو بن العلاء وورش عن نافع بتقليل الإمالة. والباقون الآن شعبة عن عاصم وابن كثير وابن عامر قارئ الشام وقالون عن نافع هؤلاء قرأوا بالفتح بمدّ الألف (بدون إمالة) وضم الميم (مُجراها).

آية (42):

*د.حسام النعيمى:

(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) يعني كل ذرة من الأرض انفجرت عيوناً، الأرض كلها صارت عيوناً، (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ (42) هود) معناه هناك ريح تعصف بحيث تضرب الماء فيرتفع الماء فيكون أمواجاً هذا شيء مخيف. لو قال في فلك، الفلك مكان آمن خاصة إذا إستعمل (في)، الإنسان آمن في داخل السفينة. لكن أراد أن يقوي صورة الخوف والرعب فقال (على ذات ألواح ودسر) هي عبارة عن ألواح مشدودة وقال (وحملناه على ) ما قال (في) فلما يتخيل الإنسان هذا المشهد، هو فوق ألواح ودسر وهذا الماء بهذا الشكل يزداد رعباً ويتذكر أن ذلك قدرة الله سبحانه وتعالى كيف حمل نوحاً ومن معه على هذه الألواح والدُسُر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق