الجمعة، 9 سبتمبر 2022

***من اللمسات البيانية فى سورة التوبة***

 ***من اللمسات البيانية فى سورة التوبة***

آية (3):

* ما دلالة رفع (رسوله) في قوله تعالى (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3) التوبة؟(د.فاضل السامرائى)

هذا يُسمّى القطع والقطع يكون في الصفات أو العطف إذا كان من باب الصفات. القطع يكون للأمر المهم.  في قوله تعالى (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)عطف على اسم. فالقطع موجود في اللغة، في الصفات يكون القطع مع المرفوع للمنصوب ومع المنصوب للمرفوع ومع المجرور للمرفوع.

قاعدة نحوية: العطف على اسم إنّ يجب أن يكون بالنصب ولكن قد يُعطف بالرفع وليس فيه إشكال. قال تعالى في سورة التوبة (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {3}) فهي جائزة من الناحية النحوية والعطف بالرفع على منصوب وارد في النحو لكن يبقى السؤال ما الحكمة في ذلك في القرآن واللغة؟ إنّ تفيد التوكيد وأي كلمة على غير إرادة إنّ يكون التوكيد فيها أقلّ فعندما قال تعالى (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) رسولُهُ تعني أن براءة الرسول من المشركين ليست مستقلّة وإنما هي تابعة لإرادة الله تعالى ولبراءته سبحانه منهم، إذن الرسول يبرأ من ممن تبرّأ منه الله تعالى فبراءة الرسول r إذن لا توازي براءة الله تعالى من المشركين. وكلمة رسولُه بالرفع في الآية تعني ورسولُه كذلك (الواو هنا واو العطف) وبعض النحاة يعتبرها اعتراضية على حمل إسم إنّ قبل أن تدخل عليه إن، وفي كل الحالات فهي تفيد أنها أقلّ توكيداً.

*(وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (3) التوبة) ما إعراب كلمة رسوله؟(د.فاضل  السامرائى)

 إما أن تكون مقدرة مبتدأ أي ورسوله كذلك بريء أو النحاة يقدروها على محل إسم إنّ لأن إسم إنّ مبتدأ قبل دخولها (الله بريء من المشركين) فلو حذفنا إنّ يكون مرفوعاً في الأصل يكون معطوفاً على المحل أو هو مبتدأ يعني ورسوله كذلك وخبره محذوف (ورسوله بريء). يبقى هناك سؤال لماذا قال هذا؟ إنّ تفيد التوكيد يعني لما نقول إن الله بريء آكد من رسوله بريء، هل براءة الرسول كبراءة الله مستقلة أم تابعة لبراءة الله؟ تابعة لبراءة الله فهي أقل منها توكيداً وليستا بمنزلة واحدة. هذه الآية كانت سبباً في تشكيل القرآن الكريم لأن الأعرابي قرأها (إن الله بريء من المشركين ورسولِهِ) وهذا خطأ سمعها أبو الأسود فقام بتشكيل القرآن.

آية (7):

* ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) فصلت) وبين قوله (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) التوبة) ؟(د.حسام  النعيمى)

هذا يتصل بكلام ذكرناه في الفاتحة (إهدنا الصراط، إهدنا إلى الصراط، إهدنا للصراط) ولا يختلف الأمر هنا: إستقام إلى الأمر كأنه كان بعيداً عنه، إستقام للأمر معناه قريب منه ولو نظرنا إلى الآيتين (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)) إذن هم بعيدون والمطلوب أن يستقيموا إلى الله، وقوله تعالى (وويل للمشركين) هم مشركون هم بعيدون. أما الآية الأخرى (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أنت تعاهد إنساناً أمامك، (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) فيها قرب بينما الأولى فيها بُعد. فالنظام عام (إلى) غاية بعيدة واللام غاية قريبة. يجب أن نفهم متى نستعمل إلى واللام وأكثر من عالم كتبوا في معاني الحروف ولعل من أفضل ما كُتِب في الأدوات كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لأبي هشام الأنصاري الجزء الأول كله عن الأدوات وكتاب الجنى الداني أبن أم قاسم وهو معاصر وهذا لفائدة المشاهد الذي يريد أن يطّلع أكثر على معاني الأدوات والحروف.خط المصحف لأنه توقيف وخط العروض (وزن الشعر) لأنه يُكتب ولا يُسمع.

آية (9):

* ما دلالة وصف الثمن بالقليل؟(د.حسام  النعيمى)

لو رجعنا إلى الآيات الكريمة سنجد أن كلمة ثمن أوالثمن وردت في أحد عشر موضعاً في القرآن الكريم كله. في موضع واحد فقط لم يوصف وهو فى سورة المائدة تتعلق بشهادة على وصية. ووصف في المواضع الأخرى: مرة واحدة وصف بأنه بخس فى سورة يوسف والأماكن الأخرى وصف بأنه قليل. لما تعلق الأمر بمصلحة الناس جاءت الآية بكلمة ثمن. والثمن هو المقابل أو العِوَض من غير بيانٍ لوصفه حتى لا يجد أحد هذين الشاهدين أي مجال للتنصّل. لوقيل في غير القرآن: لا نشتري به ثمناً قليلاً أوعظيماً يمكن أن يجدا حجة. يقول مثلاً أقسمت أن لا أشترى به ثمناً قليلاً لكن يجوز ثمن معنوي أنه سأتقرّب من هذا الذي سأشهد زوراً من أجله، سأتخلى عن قسمي.

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة) وهنا في الآية لمسة بيانية في كلمة (بأن لهم الجنة) ما قال (بالجنة): إشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بهذا الوعد مع التأكيد بأن لهم الجنة.

الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل. لما يكون الكلام عن الآيات (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) البقرة) أي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء. فكل ثمن هو يقل في شأن آيات الله سبحانه  وتعالى. (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) التوبة) أياً كان الثمن فهو قليل. فحيثما ورد الكلام عن آيات الله وعن عهد الله سبحانه وتعالى كله ثمن قليل لا يقابل. وليس معنى ذلك ثمن قليل أنه يمكن أن يشتروا به ثمناً كثيراً.كلا، وإنما بيان إلى أن هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله فهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً. لما يقول (وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) البقرة) أي ثمن سيكون قليلاً مقابل التضحية بآيات الله سبحانه وتعالى. لا يُفهم أن أشتري به ثمناً كثيراً لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً: ستأتي آيات أنهم اشتروا بها ثمناً قليلاً أياً كان الثمن عظيماً سمّاه قليلاً. ً مع آيات الله سبحانه وتعالى فمهما كان الثمن فهو ثمن قليل (ليشتروا به ثمناً قليلاً) أياً كان الثمن فهو قليل.

في تسع آيات وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، تسع آيات تتحدث عن الشراء بثمن قليل: إما أن ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل. أما في قضية الوصية والشهادة فتركه مجملاً (ثمناً) ليشمل كل الأشياء المادية والمعنوية وحتى لا يكون هناك نوع من التحايل.

ألا يمكن أن يتعاور الوصف بالبخس والقليل مع بعضهم البعض؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع ولا يستقيم مع آيات الله. ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة.

آية (10):

* قال تعالى (لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة (10) التوبة) ما الفرق بين القربى والإل؟ وما أصل كلمة الإل؟(د.حسام النعيمى)

الفعل ألّ يئلّ مثل أنّ يئنّ. الإل في اللغة العربية له معاني متعددة متقاربة بعضها من بعض: فالنسب العربي يقول عنه الإل والمصاهرة الإل والجِوار الإل أي كلمة الإل أشمل من كلمة القربى لأن القربى يمكن أن تكون للقريب النسبي وقد تتعدى لتصل إلى قرابة الزواج بنوع من المجاز. لكن كلمة الإل تستعمل في هذه المعاني جميعاً فهي أوسع وأشمل من القرابة. والقرابة جزء من الإل. والإل تأتي بمعنى العهد أيضاً. لكن هناك مسألة ذكرها بعض العلماء وتتبعهم آخرون: فالبعض يرى أن كلمة إلّ بمعنى الله وهؤلاء يعتمدون (هو واحد من العلماء وهو قديم) على أنه في العبرية: جبرا إيل، إسرا إيل وهكذا، هذا الكلام لنا عليه وقفة مهمة جداً لأنه عندنا أحد العلماء وهو السهيلي قال: وأما الإلّ بالتشديد في قوله تعالى إلاّ ولا ذمة فحذار أن تقول هو إسم لله تعالى فتمسي الله تعالى بإسم لم يسمي به نفسه – نحن نأخذ أسماء الله تعالى من القرآن ومن حديث الرسول R - وإنما الإلّ كل ما له حرمة وحق كالقرابة والرحم والجوار والعهد وهو من ألِلت إذا اجتهدت في الشيء وحافظت عليه ولم تضيّعه فالقرابة بعض معاني الإل. يبقى مسألة اللغة العبرية وما يكون هناك تقارب بينها وبين العربية في بعض الألفاظ: أولاً: اللفظة التي في العبرية ليست (إل) وإنما (إيل) ولما يكون هناك نوع من التشابه بين لفظتين في لغتين فلا يعني أن هذه اللفظة من هذه اللفظة. أحياناً يكون التشابه بين العربية والانجليزية لا يعني أن هذه من هذه ألم يقولوا: كلمة(FAN بالإنجليزية وكلمة فان في العربية كما في قوله تعالى (كل من عليها فان) اللفظ واحد لكن المعنى مختلف.

العربية والعبرية من الجزيرة والعربية أقدم وذكرنا هذا سابقاً. ورد ذكر العرب في أدبيات البابليين أن أحد ملوك بابل قاتل العرب. والبابليون خرجوا من جزيرة العرب في حدود 3600 عاماً والعبريون عشيرة من عشائر الكنعانيين والكنعانيون خرجوا من جزيرة العرب في حدود 1500 ق.م أي بعد 1100 عام من البابليين والعرب كانوا موجودون. والكنعانيون صار عندهم لهجات ومن لهجاتهم العبرية فهي متولدة متأخرة. بعد أن ورد ذكر العرب بأكثر من 1100 عام جاء الكنعانيون ولا ندري في أي عام تولدت العبرية من الكنعانية. كانوا يتكلمون لغة واحدة هي الكنعانية تفرّع منها الأوغاريتية والمؤآبية والفينيقية والعبرية، أربع لهجات مثل اللهجات التي تفرعت من اللاتينية: الإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية والفرنسية والآن أي واحد لا يفهم من الثاني وهكذا نجد أن العبرية متأخرة. وأي تشابه بين العبرية والعربية معناه أخذته من العربية وليس العكس، فمثلاً أن هذه الكلمة مغيّرة عندهم وقد تكون من اللفظة القديمة وتغيرت عندهم لكن ما دام لم يرد عندنا كلمة إل بمعنى الله لذلك السهيلي يقول: حذارِ.

آية (17):

* ما اللمسة البيانية لهذه الآية (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) التوبة) ؟(د.فاضل  السامرائى)

شاهدين على أنفسهم بالكفر يعني أنهم يظهرون ما هم عليهم من الشرك من نصب الأوثان وعبادتها كانا ينصبون الأصنام في الكعبة. شاهدين يعني يظهرون ما هم عليه من الكفر والشرك فكيف يعمرون مساجد الله؟ (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) التوبة) فكيف يعمر هؤلاء مساجد الله وهم يشركون بالله أو يكفرون بالله ويأتون بالأوثان والأصنام أو يذكر أموراً مخالفة؟. هذا نفي من قِبَل الله تبارك وتعالى أنه لا ينبغي لهم ولا يصح لهم ولا يستقيم لأنهم شاهدون

على أنفسهم بالكفر، لا ينبغي أن يعمروا مساجد الله لأنهم شهدوا على أنفسهم بالكفر.

* لماذا استعمل صيغة الجمع في مساجد في قوله تعالى (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) التوبة)؟(د.حسام النعيمى)

هذه الآية وردت فيها كلمة مساجد في الآية 17 من سورة التوبة وفي الآية 18 (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)) وردت كلمة مساجد أيضاً. في الآية 17 قُريء مساجد وقُريء مسجد لأنه كان يشار فيه ويراد هو المسجد الحرام فعندنا قراءتان سمعيتان. لكن الذين قرأوا مسجد (المسجد الحرام) هذا الشيء الطبيعي لأن الكلام عن المسجد. لما يقول مساجد الله وتُقرأ مساجد الله المسجد الحرام سيكون جزءاً من هذه المساجد. هم ليس لهم أن يعمروا المسجد الحرام ولا سائر المساجد لا حق لهم في ولوجها.

الآية 18 أجمع القرّاء على قراءتها مساجد فهذا جمع على قراءة الأولى مساجد بالجمع. أجمعوا (إنما يعمر مساجد الله) لأنه أريد بها المساجد العامة ليوم القيامة فيدخل فيه المسجد الحرام.

الآية 17 عندنا قارئان من القرّاء السبعة قرآها مسجد بالإفراد والخمسة الآخرون قرأوها مساجد، الكثرة قرأتها مساجد وكما قلت هذه تمثل قراءات العرب التي أجازها الرسول r بأمر من ربه والجمع بين القراءتين أن كلمة مساجد ينضوي تحتها كلمة مسجد.

آية (20):

*ما دلالة تقديم وتأخير (في سبيل الله) في آية سورة التوبة وسورة الأنفال؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة التوبة (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {20}) وقال تعالى في سورة الأنفال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {72}) .

الخط العام: إذا كان المقام في جمع وحفظ الأموال يبدأ بالتضحية به وإذا كان السياق في القتال وليس في الأموال يقدّم (في سبيل الله)على الأموال .

سورة التوبة كلها في الجهاد وليست في الأموال فسياق الآيات كلها عن الجهاد والقتال وليس المال لذا اقتضى تقديم (في سبيل الله) على الأموال والأنفس.

أما في سورة الأنفال قدّم الأموال على(في سبيل الله) لأنه تقدّم ذكر المال والفداء في الأسرى وعاتبهم الله تعالى على أخذ المال إذن السياق كله في المعاتبة على أخذ المال من الأسرى.

آية (24):

*متى يكون استعمال (أو) و (لا) (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى (37) سبأ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ (24) التوبة) (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ (31) النور)؟(د.فاضل السامرائى)

الواو من حيث الحكم يسمونها مطلق الجمع أما (أو) فلها معاني الإباحة والتخيير .

خيّر أبِح قسّم بأو وأبْهِمِ     واشكُك وإضرابٌ بها أيضاً نُمِى

فيها معاني كثيرة فـ(لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ)، (أو) قد يكون فيها إباحة أو تخيير أو قد تكون تقسيم. إباحة هم يقولون جالسوا العلماء أو الزهاد تبيح له أن يجالس هذا الصنف من الناس، جالس الفقهاء أو العلماء، صاحب فلان أو فلان أو فلان تبيح له في صحبة هؤلاء. (أو) قد تكون للتخيير، التخيير لا يقتضي الجمع إما هذا وإما هذا أما الإباحة "تزوج هنداً أو أختها" هذا تخيير لا يجوز الجمع بين الأختين. الواو لمطلق الجمع فلما قال (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) يعني كلها لا تلهيكم. السؤال لماذا جاء بـ (لا)؟ لو لم يذكر (لا) لو قال (لا تلهكم أموالكم وأولادكم) احتمال أنه إذا جمع بينهما أما إذا أفرد، (ولا أولادكم) فيها احتمالان: احتمال الإفراد والجمع، أنه بنهاك عن الجمع بينهما لو أفردت فلا بأس، لو التهيت بأحد منهما فلا بأس هذا احتمال، واحتمال أنه كل واحد على حدة اجتمعا أو انفردا. النُحاة يضربون مثلاً يقولون "ما حضر محمد وخالد" أو " ما حضر محمد ولا خالد"، "ما حضر محمد وخالد محتمل أنه حضر واحد منهما، ويحتمل أنه لم يحضر محمد ولم يحضر خالد، هذا احتمال واحتمال أن واحد منهما حضر، هذه يسمونها تعبيرات احتمالية تحتمل أكثر من دلالة. لا توجد قرينة سياقية ولا لفظية تعين مفهوماً محدداً هنا. لو قلنا " ما حضر محمد ولا خالد" يعني لم يحضرا لا على سبيل الإجتماع ولا على سبيل الإفراد. "ما حضر محمد وخالد" احتمال أنه حضر واحد منهم ما حضر الاثنان، ما حضر محمد وخالد حضر محمد فقط واحتمال أنه ما حضر ولا واحد منهما، إذن هي تنفي حضور الإثنين أو ربما تثبت حضور أحدهما نسميه تعبير احتمالي. أما في قولنا "ما محمد ولا خالد" أي لم يحضر أي واحد منهما لا على سبيل الاجتماع ولا على سبيل الإفراد.

آية (26):

*ما الفرق بين (فأنزل السكينة) و(أنزل سكينته)؟(د.فاضل السامرائى)

(سكينته) مضاف إلى ضميره سبحانه وتعالى.الملاحظ في السكينة بالذات أنه حيث ذُكِر الرسول أو كان موجوداً في السياق يقول (سكينته) بالإضافة إليه تعظيماً له. وحيث كان الأمر عاماً ليس فيه الرسول يقول السكينة. مثال (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) الفتح) ليس فيه ذكر الرسول، وكذلك(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) الفتح) ليس فيها ذكر لكلمة الرسول، (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26) التوبة) صرّح بالرسول، (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا (40) التوبة)، (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى (26) الفتح) حيث أضاف فلا بد أن يُذكر الرسول أو يظهر في السياق. هذه خصوصية للرسول عليه الصلاة والسلام وتعظيماً له وإكراماً له.

آية (29):

*(وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) – (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)ما دلالة الاختلاف؟(د.أحمد الكبيسى)

في سورة البقرة (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿264﴾ البقرة) (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وفي سورة النساء (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿38﴾ النساء) فيها (ولا) زيادة هناك (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هنا (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) (ولا) ما الفرق بينهما؟ وفي سورة التوبة أيضاً (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿29﴾ التوبة) إذاً في سورة النساء والتوبة (لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر) وفي البقرة (يؤمن بالله واليوم الآخر)، الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر كافر شخص يقول أنا لا أؤمن بالله ولا في الآخرة أنا أعبد الأصنام وإذا مت صرت تراباً لا يوجد لا قيامة ولا الخ هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر هذا إعلان الكافر هو قال أنا رجل شيوعي أنا أمام الناس شيوعي وحزبي الشيوعي أنا ستالين أنا لينين أنا غورباتشوف لا يوجد لا الله ولا الخ هذا (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هو معلن عن كفره وشركه بالله لا يوجد الله أصلاً بالنسبة له فهو ملحد هذا لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهذا أصدق من الأول. الأول يدعي أنه مؤمن فهو يقول أنه مؤمن وأنه مؤمن بوجود الله لكنه كذاب دجال يعني فقط بالظاهر فهو منافق يقول أنا أؤمن بالله واليوم الآخر فالله قال له لا أنت لا تؤمن لا بالله ولا باليوم الآخر. فحينئذٍ هذا الفرق فقوله تعالى (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا منطق الكفار جميعاً ولما يقول لك (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هؤلاء المنافقون فالمنافق كافر لكن يدعي أنه هو مؤمن ولا يتبع الإيمان ومتناقض (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿8﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ البقرة) هذا الذي الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) لاحظ، مثلاً كشخص جاء وقال لك أنا راسب خلاص هذا فلان راسب بالدروس لكن لو قال لا أنا ناجح في الرياضيات والإنجليزي المدير قال له لا أنت لست ناجح لا بالرياضيات ولا بالإنجليزي أنت كاذب. جداً واضح هذا الفرق بين (لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فهو مشرك عادي ومعلن هذا ولا يغيره فهو يقول لا يوجد الله ولا آخرة ولا حساب ولا كتاب وآخر وهو غير مؤمن أيضاً لكن يخفي هذا الأمر إما لطمع أو خوف أو نفاق أو لآخره قال هذا الذي قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) هذا الله يقول عليه (وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ) هذا الفرق بين التعبيرين.

آية (31):

* قال تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة) فما معنى الآية؟(د.حسام  النعيمى)

حديث يريوه عدي بن حاتم الطائي لما فيه من فوائد كثيرة: كان تنصّر في الجاهلية وأُسِرت أخته ثم هرب ثم كتبت إليه أن الرسول r أكرمها مع كونها على الكفر قال r: أكرموها لأنها ابنة حاتم (وكان أبوها من أكرم العرب) فأسلمت وأرسلت إليه ليأتي ويرى الرسول r فدخل مسجد الرسول r وهو يقرأ قوله عز وجل عن اليهود والنصارى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة) فعديّ لم يسكت، هو كان هارباً وجاء ودخل على الرسول r ويسمع هذه الآية، هذه ترينا رجولة العرب وإحساس هذا الإنسان بعدالة من هو أمامه فلا يظلمه فقال: يا محمد إنهم لم يعبدوهم كيف تقول (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)؟ فالرسول r يبيّن له مفهوم العبادة في الإسلام فقال بلى أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. * ما اللمسة البيانية في ذكر المسيح ابن مريم في سورة التوبة؟(د.فاضل السامرائى)

لو عملنا مسحاً في القرآن الكريم كله عن عيسى نجد أنه يُذكر على إحدى هذه الصيغ:

v     المسيح: ويدخل فيها المسيح ، المسيح عيسى ابن مريم، المسيح ابن مريم (لقبه)

v     عيسى ويدخل فيها: عيسى ابن مريم وعيسى (إسمه)

v     ابن مريم (كُنيته)

حيث ورد المسيح في كل السور سواء وحده أو المسيح عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم لم يكن في سياق ذكر الرسالة وإيتاء البيّنات أبدأً ولم ترد في التكليف وإنما تأتي في مقام الثناء أو تصحيح العقيدة. (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) النساء) (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة).

وكذلك ابن مريم لم تأتي مطلقاً بالتكليف (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون) (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) الزخرف).

أما عيسى في كل أشكالها فهذا لفظ عام يأتي للتكليف والنداء والثناء فهو عام (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) المائدة) (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مريم) ولا نجد في القرآن كله آتيناه البينات إلا مع لفظ (عيسى) (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) الزخرف) ولم يأت أبداً مع ابن مريم ولا المسيح. إذن فالتكليف يأتي بلفظ عيسى أو الثناء أيضاً وكلمة عيسى عامة (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) المائدة) فالمسيح ليس اسماً ولكنه لقب وعيسى اسم أي يسوع وابن مريم كنيته واللقب في العربية يأتي للمدح أو الذم والمسيح معناها المبارك. والتكليف جاء باسمه (عيسى) وليس بلقبه ولا كُنيته.

آية (32):

* ما سبب الإختلاف بين الآيتين (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) التوبة) و (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) الصف)؟

د.حسام  النعيمى :

القرآن يحتاج إلى تدبر أي إلى نظر إثر نظر وكلما تدبر انشكفت له أمور ما كان يعرفها من قبل.

ننظر في ما قبل هاتين الآيتين (لا ينبغي أن نفهم شيئاً منعزلاً عن السياق فالسيقا مهم لأنه لما تقتطع آية من سياقها تُفهم في غير وجهها وهذا حتى ينقطع الطريق على الذين يحمّلون ألفاظ القرآن الكريم ما لا تحتمله لما يقطعها لذلك لا بد أن تؤخذ حتى يكون الفهم الكامل وهذا دليل ترابط الآيات مع أن كل منها نزلت في وقت والرسول R كان يقول: ضعوا هذه هنا وضعوا هذه هنا وهذا توقيفي بوحي من الله تعالى وليس بفعل منه لأن هذا كلام الله عز وجل.

ويمكن أن يستفيد الإنسان من سبب النزول في فهم الآية لكن نحن قلنا أنه في الغالب ما صح من أسباب النزول في الأحاديث الصحيحة قليل وكثير منها ما صح وكذلك في فضائل السور وللعلماء فيها كلام. لكن سبب النزول قد ينفع في فهم الآية داخل السياق والأصل أن يؤخذالنص داخل سياقه.

الآية الأولى التي هي في سورة التوبة هي في الكلام على اليهود والنصارى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) التوبةوالآية الأخرى أيضاً في الكلام عليهم، على اليهود والنصارى. لكن آيات سورة التوبة تتعلق وتتحدث عن تحريفهم لكتبهم أفعالهم هم. فلما تحدث عن تحريفهم لكتبهم لا يحتاج ذلك إلى تأكيد لأنه معلوم لدى المسلمين أنهم حرّفوا وغيّروا، وهم أيضاً يعلمون أنهم حرفوا وغيروا فلم يستعمل أساليب التوكيد هنا لكن لما جاء في الكلام عنهم في حربهم للرسول R وفي إنكار نبوته مع أنه موجود عندهم وتحمسهم لمحاربة الإسلام كأنهم هم يؤكدون إطفاء نور الله استعمل التأكيد وفي الرد عليهم إستعمل الصيغة الثابتة. نوضح ذلك:

آيات التوبة (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)) إتخاذ الأحبار والرهبان من دون الله وذكرنا سابقاً قصة عدي بن حاتم الطائي الذي كان يتصور أن العبادة هي بمعناه اللغوي فجاء في الحديث عن عدي بن حاتم الذي قال فيه للرسول r: يا محمد إنهم لم يعبدوهم كيف تقول (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) ؟ فالرسول r يبيّن له مفهوم العبادة في الإسلام فقال بلى أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. عندنا مصطلحات صار لها مفهوم آخر في الإسلام الصلاة في الإسلام لها معنى غير معناها اللغوي والزكاة معناها النمو لكن في الإسلام لها مفهومها الخاص فلما قال هم لا يعبدوهم قال R بلى أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. هذا التحريف إذن كان في منهجهم هم فلما كان التحريف في منهجهم هذا نوع من محاولة إطفاء نور الله أي دين الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره بإرسال محمد R بقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)) فلما يظهر على جميع الأديان الأخرى وهو الدين الصادق الصحيح النقي عند ذلك لفظهم بأفواههم لا يجدي نفعاً فما كان هناك حاجة إلى توكيد.

أما في سورة الصف (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)) غيروا ما في كتبهم، كذبوا، (يريدون ليطفئوا) فيه نوع من الإصرار من قبلهم للإطفاء كأنما يريدون بفعلهم هذا أن يصلوا إلى إطفاء نور الله، إلى حجب الإسلام ففيها نوع من التأكيد. (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) إستعمل إسم الفاعل والإسم أثبت وآكد من الفعل فناسب هذا التأكيد، لما جاء باللام جاء بكلمة (متم نوره). في المغرب يقرأون متمٌ نوره فإذن عندنا قراءتان: متمُ نوره قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي عن عاصم وشعبة قرأها متمٌ نوره، معناه مكة وقبائل الكوفة قرأت متمُ نوره، المدينة والبصرة الشام وبعض قبائل الكوفة (شعبة عن عاصم) قرأوا متمٌ نوره. عندما يقول متمُ نوره بمعنى أن الأمر وقع. بعض النحويين أراد أن يبين حاجة الفقه إلى النحو، سأل أحدهم إذا قال لك فلان أنا قاتلُ زيد أو قال لك أنا قاتلٌ زيد فماذا تقول؟ قال في الحالين آخذ به فهو اعتراف بالقتل، قال لا إذا قال أنا قاتلُ يعترف على نفسه بالقتل لكن لو قال أنا قاتلٌ زيد فهذا تهديد بالقتل أنه سيفعل ذلك في المستقبل. متمُ نوره إشارة إلى وقوعه ووقوع بداياته بإرسال الرسول R ومتمٌ نوره إشارة إلى استمرار نزول الآيات على الرسول R في المستقبل أي لم يتوقف الوحي. في الجمع بين القراءتين معناه أنه تعالى بدأ في إتمام نوره وهو ماضٍ في هذا الإتمام مدة حياة النبي R حاضراً ومستقبلاً فجمعت القراءتان الصورتين لذا نقول نحاول أن نجمع بين القراءتين.

د.أحمد الكبيسى :

لا بد أن نعرف ما الفرق (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴿32﴾ التوبة) (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ ﴿8﴾ الصف)،الفرق بين هذا وذاك: عندما يأتي الفعل يريد وبعده أن وفعل آخر هذا إعلان الإرادة أريد أن أعلمك فقط أعلن نيتي أنا ما علمتك بعد، عندما أريد أن أعلمك أريد أن أعاقبك أريد أن أجزيك كل هذا إعلان للفعل أنا سأفعل هذا هذا وعدٌ سواء كان وعداً أو تهديداً أو تكريماً أو ما شاكل ذلك أريد أن أفعل كذا. إذا أقول أريد لأفعل كذا باللام المضمرة معناها إني قد اتخذت الأسباب وباشرت الفعل لما أقول أريد أن أعلمك هذا بعد ما بدأنا وعد أريد لأعلمك يعني أنا أحضرت الدفاتر والأوراق والكتب وفرشتها تعال اجلس، قلت ماذا تريد مني؟ أريد أن أعلمك أريد لأعلمك هذا في كل الآيات.

* ما دلالة (ثاني اثنين) في قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار )40التوبة)؟(د.حسام النعيمى)

العرب عندهم أسلوب في ذكر المعدود (ما يعدّون) تصاغ عندهم على وزن فاعل فيقولون مثلاً هو رابع أربعة. لاحظ في كلام سعد إبن أبي وقاص يقول: مرّ علي يوم وأنا رابع أربعة فكنت رُبع الإسلام. المسلمون كانوا ثلاثة وهو الرابع. كنت رابع أربعة  لما يقول رابع أربعة يعني هو واحد منهم، خامس خمسة لما يُشتق من اللفظ نفسه: سادس ستة يعني هو واحد من هذا المجموع. لكن لهم أسلوب آخر: يقولون: رابع ثلاثة أو خامس أربعة. في هذه الحالة يكون متمماً للعدد ولكنه ليس شرطاً أن يكون جزءاً منه. لاحظ في القرآن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة) نجوى الثلاثة الله رابعهم فالله سبحانه وتعالى من غيرهم لكنه صار في العدد بحضوره رابعاً لكنه ليس منهم. في قصة أصحاب الكهف (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) الكهف) ليس منهم. فلما يقول القرآن ثاني اثنين معناه هما من نوع واحد كثالث ثلاثة ورابع أربعة وخامس خمسة وهذا فيه إشارة إلى منزلة الصدّيق رضي الله عنه لأن كان مع الرسول  يشكّلان اثنين ولم يكن الرسول r من خارجه ولم يكن هو من خارج الرسول r بالمثال الذي ضربناه.

هذا فضل لأبي بكر (ثَانِيَ اثْنَيْنِ) لاحظ الآية الكريمة (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) الصاحب قد يكون موافقاً وقد يكون مخالفاً لكن الآية لما قال تعالى (ثَانِيَ اثْنَيْنِ) معناه هو مصاحب وليس مخالفاً ثم لما قال له (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) لاحظ الفارق بين قول الرسول r لأبي بكر (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) أي جمع الإثنين بين قول موسى r لما قال (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء). أبو بكر صاحب الرسول r وأصحاب موسى قالوا: إنا لمدركون لأنهم وجدوا العدو أمامهم وأبو بكر رضي الله عنه كان يقول: لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، كان قلقاً هذا معنى الحزن فيه. كان قلقاً ماذا سيحدث لرسول الله r. موسى ماذا قال؟ يحدثنا القرآن الكريم قال(قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ما قال إن معنا يعني جعل أصحابه بمنأى. هذه الفردية عند موسىu. لكن الرسول r جعل أبا بكر معه وقال لا تحزن إن الله معنا. كان ممكناً في غير القرآن أن تُصاغ العبارة بشكل آخر يُخرِج أبو بكر من الآية : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه وهو في الغار فقال إن الله معي فنصره الله عز وجل.

وننظر شيئاً أخر في الآية يتناوله علماء النحو في توزيع الضمائر وإن كان بعض العلماء يقول هذا إبعاد لكن هذه حقيقة. لما يقول (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) الهاء في عليه تعود إلى أبي بكر لأن الرسول r كان مطمئناً والقلِق كان أبو بكر فلما رب العالمين ينزّل عليه السكينة هذا رفع قدر وأبو بكر حقيقة يستحق مثل هذا الرفع. هي الهجرة: الرسول r يركب ناقة دفع ثمنها أبو بكر وإن كان r قال بثمنها قرضة هي في ذهنه، يأكل من مال أبي بكر الزاد الذي كان يأتيهم هو من مال أبي بكر، الذي كان يرعى الغنم حتى يمحو الآثار راعي أبي بكر، الذي كان يأتيهم بالأخبار إبن أبي بكر، الذي كان يأتيهم بالطعام بنت أبي بكر، الدليل الذي قادهم خارج نطاق السير الطبيعي استأجره أبو بكر. لما ننظر دعائم الإسلام: أول ثمانية أقاموا الصلاة قبل أول ثماني جباه تسجد للصلاة غير الرسول r: الإمام علي وكان صبياً صغيراً (8 أو 10 سنوات)، زيد بن حارثة أسير حرب يباع ويُشترى لم يكن له تأثير في المجتمع وأبو بكر وخمسة جاءوا بدعاء أبي بكر. إذن كان أبو بكر مع الخمسة يمثلون ستة من ثمانية من الإسلام وهؤلاء إنطلقوا يدعونلأن سعد الذي كان يقول رابع أربعة وكنت ربع الإسلام هو الذي أسال أول دم في الإسلام لأنه كان يجلس مع مجموعة من الشباب يدعوهم للإسلام ومرّ به قوم سخروا منه فتناول لحي بعير فضرب كبيرهم فشجّه شجّة مُنكرة فقال r : كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ما تحدثوا لنا فتنة. فهذا أبو بكر وموقفه من الرِدّة وموقفه في وفاة الرسول r كيف عصم الله تعالى به الأمّة من أن تتمزق. لذلك الآية كأنها أرّخت في كتاب الله عز وجل لِعِظم منزلة الصدّيق رضي الله تعالى عنه وأرضاه وهذا لا ينقص من أقدار الصحابة الآخرين شيئاً لأنه كلٌ له فضله، كلٌ من الصحابة له فضله لكن هذا أبو بكر.

* تكررت (إذ) ثلاث مرات في هذه الآية فما دلالتها؟(د.حسام النعيمى)                        

كلها تأكيدات بمعنى: أُذكر هذا الأمر وأذكر هذا الأمر. (إذ) تأتي دائماً بمعنى أُذكر كذا لأنه أحياناً تكون في البداية كما قلت بالنسبة لموسى (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء) لما انتهى من هذا المشهد السماوي بدأ (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)) واذكر هذا الأمر.

* ما الفرق بين (وأنزل جنوداً لم تروها) و(وأيّدهم بجنود لم تروها) وما المقصود بكلمة: لم تروها؟(د.حسام النعيمى)

في سورة التوبة في قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة) هذا النصر الذي تحقق في الهجرة هو سلامة رسول الله R من الأذى ، (إن الله معنا) هذه ميزة للصديق رضي الله عنه وما قال R كما قال موسى (إن معي ربي سيهدين) وإنما قال (لا تحزن إن الله معنا) رفع شأن لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه. (فأنزل الله سكينته عليه) جمهور العلماء يقولون الهاء في (عليه) تعود إلى الصدّيق لأنه هو الذي كان مشغول البال أما الرسول R فكان مطمئناً وقال له "ما ظنك بإثنين الله ثالثهما". (وأيّده) الهاء تعود على الرسول R(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)  هذا تقرير عام، (والله عزيز حكيم).

(وأيده بجنود لم تروها) الجنود أو الجند. الجند إسم للجنس كما تقول: الماء، الريح، القوم. يقال هؤلاء قوم أي جنس. القوم جنس مكوّن من أفراد فالجند جنس ولذلك هذا الجنس يمكن أن يُجمع كما جُمع قوم أقوام، جند، أجناد. إذا ورد جمع بصيغتين فعند ذلك ينظر في القِلّة والكثرة. فالجند مجموعة على جنود وأجناد، صيغة أفعال في الجمع تكون للقلة فإذن هنا جنود للكثرة. الجند في اللغة: الأنصار والأعوان بعد ذلك أُطلِقٌت متأخرة على القوات المسلحة ثم صار جند وجنود لأن هذا قديماً لم يكن موجوداً.. لما يقال جنّد الجنود أي هيّأ الأنصار: الأنصار لم يكونوا جنوداً وإنما كانوا في السوق يبيعون ويشترون ثم لما ينادى للقتال فيكون في ساقة الجيش. في عهد الرسول R الكل كانوا مدنيون وفي أي لحظة يكونون مقاتلين. الجند في اللغة الأنصار كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ (14) الصف) لما نقول أنصار الله بمعنى أنصار شرعته وأنصار دينه.

(وأيّده بجنود لم تروها) أي أيّده بأنصار يناصرون رسول الله R, ما كان هؤلاء المناصرون؟ يقول تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو): الغشاوة التي يجعلها على أبصارهم، يجعلهم لا يسمعون، لا يدركون، لا ينتبهون الملائكة تفعل فعلها، كل هذا يدخل. منهجنا في هذا الأمر أن القرآن الكريم إذا لم يفصّل وما عندنا دليل للتفصيل نقف عند ما قال. (وأيده بجنود لم تروها) أنتم لم تبصروا هؤلاء الجند فكان تأييداً من الله سبحانه وتعالى وكان نصراً لأن طبيعة الأشياء أن رجلين فارّين من قومهما وقومهما وضعوا جوائز، طبيعة الأشياء أن يُمسكوا لأنهم في الصحراء وفعلاً هم وصلوا إلى الغار بحيث أن أبا بكر الصديق قال للرسول R : لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا. فقال R: ما ظنّك بإثنين الله ثالثهما. فطبيعة الأشياء أن يلقى عليهم القبض لكن ذلك لم يحدث. لكن الله تعالى نصر رسوله R بجنود لم يروها: تغيير طبيعة الأشياء جزء من جند الله عز وجل، سراقة إبن مالك رأى رسول الله R وصاحبه رضي الله عنه وأرضاه وناداهما فكان أبو بكر يخشى من سراقة لأن سراقة كان من الفرسان المعدودين ولذلك خرج وحده معتمداً على قوته أنه يستطيع أن يجابه الرسول R وصاحبه لوحده لكن غارت قوائم فرسه في الرمال وتكررت ثلاث مرات. هذا جند من جنود الله عز وجل. فهذا هو الجند الذين لم يرهم المسلمون: قد يكونون ملائكة أو الصرف الذي صرف الله به، غشاوات الأعين، عدم الإنتباه، كل هذه الأشياء التي تخالف طبيعة الأشياء هي جند من جنود الله (وما يعلم جنود ربك إلا هو). الحشرة الصغيرة هي جند من جنود الله عز وجل (النمرود دخلت في أذنه حشرة). فهذه الجنود أنتم لم تروها أي ليسوا مناصرين من الرجال الذين ترونهم فنصر الله عز وجل يأتي من غير الأشياء التي تراها أنت.

في سورة الأحزاب قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)) (جاءتكم جنود) جنود تراها العين : قريش ومن جاء معهم من الأحزاب. (جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ) ريحاً هي من جنود الله أيضاً، (وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا). الريح رأيتم فعلهاهذا من جند الله وهناك جنوداً لم تروها. هذه الجنود: التخذيل الذي حدث، الملائكة التي أدخلت الرعب في قلوب هؤلاء الناس، الخلاف الذي وقع بينهم (نبقي أو نمضي) كل هذا هو من جنود الله غير المرئي. فإذن لا يتوقع المسلم أن الله سبحانه وتعالى دائماً يرسل جنداً مرئية لأن الملائكة شاهدها بعضهم في القتال وسمعها بعضهم. أثناء القتال  في معركة بدر بعضهم رأى الملائكة وسمع صوتها وهي تتحدث مع بعضها. ويمكن هناك جند لم تروها لم تقع أعينكم عليها سواء من الملائكة أو من غير الملائكة. المهم أن تكون واثقاً بنصر الله سبحانه وتعالى وأنه تعالى له جنود يسخّرهم يكونوا نصراء لدينه. (لم تروها) أي لم تروها رأي العين. الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن آثارها كيف ينصر رسوله؟ سماه نصراً نجاة الرسول R من قريش (إلا تنصروه فقد نصره الله) كان نصراً.

* ما إعراب كلمة (الله) في الآية (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة) ؟(د.حسام  النعيمى)

هذا إسئناف. يعني جعل كلمة الذين كفروا السفلى . لو قيل في غير القرآن وكلمةََ الله كأنه جعلها ولكن (كلمةُ الله) تقرير أي هي هكذا هي العليا . فهو إستئناف. جعل كلمة الذين كفروا السفلى، الكلام إنتهى.  الآن بدأنا كلاماً جديداً (وكلمةُ الله هي العليا) لا يمكن أن يقول وجعل كلمةُ الله هي العليا وكلمةُ الله هي العليا حتى ترتبط الجملتان جاء بالواو الإستئنافية إستأنفت كلاماً جديداً. (كلمةُ الله) هي تقرير لم يجعلها مصنوعة معمولة وإنما هي هكذا هذا وجودها.

* ما دلالة لا تحزن في الآية (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا (40) التوبة) ولماذا لم يقل لا تخف؟ وما الفرق بين الخوف والحزن؟(د.فاضل  السامرائى)

الخوف هو توقع أمر مكروه لم يقع بعد والحزن على ما وقع من المكروه، إذا وقع المكروه حزِنت. إذن الحوف يسبق الحزن، أن تتوقع أمراً مكروهاً تخشىوتخاف أن يقع فإذا وقع حزن. بالنسبة للآية الكريمة (لا تحزن) كان أبو بكر رضي الله عنه يخاف الطلب أن يُدرك من قِبَل الكفار حتى ذُكِر أنه كان يمشي أمام النبي r وعن يمينه وعن يساره يقول أخشى أن يأتي الطلب من اليمين أو الأمام أو اليسار، الآن هما في الغار فقال لو نظر أحدهم إلى أسفل لرآنا، إذن الآن وقع الطلب بالنسبة لأبي بكر، هم حضروا إلى الغار. الخشية من الطلب، من إدراك الكفار لهم واللحاق بهم لأنه لو لحقوهم أدركوهم. الآن في تقدير أبو بكر أنهم لحقوا بهم لما وصلوا إلى الغار. هو كان يخشى الطلب والطلب انتهى الآن لأن الكفار وصلوا إلى الغار وقال لو نظر أحدهم إلى أسفل لرآنا فصار حزناً على ما وقع أن القوم وصلوا. ما كان يخافه حصل فصار حزناً. مرحلة الخوف انتهت لذا قال (لا تحزن). هو حزِن وكان يخشى من لحاق القوم بهم وأن يقعوا فريسة بين أيديهم والآن وصل الكفار وحصل الأمر بالنسبة له فحزن على ما حصل ومرحلة الخوف ولّت فصار حزناً. فالخوف إذن توقّع حدوث شيء مكروه أما الحزن فيكون على ما وقع.

آية (42):

* مفعول الفعل علِم مفتوح الهمزة (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) الحاقة) لكن ورد في بعض المواضع مكسور الهمزة مثل (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة) (16) يس (1) المنافقون لماذا وردت عكس القاعدة؟(د.حسام  النعيمى)

فعل علِم ينبغي أن يأتي بعدها (أن) مفتوحة الهمزة لكن إذا جاءت اللام التي سميناها اللام المزحلقة أي لام الإبتداء كما في قولنا (علمت أن زيداً ناجح) فإذا قلنا (علمت إن زيداً لناجح) عند ذلك نكسر الهمزة في (إن). في ألفية إبن مالك توضيح هذه المسألة:

فاكسر في الإبتدا وفي بدء صلة                     وحيث إنّ لِيَمينٍ ُمكمله

أو حُكيت بالقول أو حلّت محلّ                        حالٍ كزُرته وإني ذو أمل

وكسروا من بعد فِعلٍ عُلّقا                            باللام كاعلم إنه لذو تُقى

فحيثما جاءت اللام تُكسر الهمزة كما في قوله تعالى ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون).

آية (43):

* ما دلالة إستعمال يتبيّن مع الصادقين وتعلم مع الكاذبين في الآية (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة)؟(د.حسام النعيمى)

هذه الآية فيها أكثر من سؤال: فيها سؤال. في مسألة (عفا الله عنك) والخطاب للرسول R. أصل العفو في اللغة المسح، عفت الريح الأثر أي مسحته وما بقي أثر فلما نقول عفا عن فلان أي مسح ذنبه كأنه لم يذنب وكأنه ما عاد له ذنب. هذا الأصل اللغوي للمفردة لكن ننطرها في السياق، فهل أثم الرسول R حتى عفا عنه؟ ولم أذنت لهم؟ كان يمكن في غير القرآن أن يقول : حتى يتبين لك الصادقين وتعلم الكاذبين أو يقول: حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الذين كذبوا. لكن أولاً لنعلم فيمن نزلت هذه الآية؟ نزلت في المنافقين الذين ثبطوا الجيش المسلم في تبوك، هذه الغزوة التي صرّح بها الرسول R من سائر غزواته وكان دائماً يورّي إذا أراد الذهاب إلى الشمال يورّي ويرسل سرية إلى الجنوب إلا في تبوك فصرّح R وقال إنا ذاهبون إلى الروم.

القرآن يتكلم عن هؤلاء (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ) تبوك بعيدة، (وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) يهلكون أنفسهم لأنهم كاذبون حتى مع قسمهم. (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين (47) لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)) إذن هؤلاء طائفة من المنافقين جاءوا إلى الرسول R إستأذنوه بعدم الخروج قالوا: إئذن لنا أن لا نأتي معك لظروفهم، فالرسول R أذن لهم لأن الجهاد تطوعي والمجاهدون كان يتطوعون تطوعاً ما عندنا جيش إلزامي، فكأن القرآن يقول له لو تصبّرت قليلاً وقلت لهم لا أسمح لكم كانوا يجاهرونك بالعصيان وينكشفون لأنهم لا يريدون أن يخرجوا معك فأنت أذنت لهم فأزلت فرصة كشفهم. ولو شاء الله تعالى لأراه إياهم (ولتعرفنهم في لحن القول). عبارة (عفا الله عنك) العربي يستعملها استعمالاً خاصاُ وبها نزل القرآن الكريم وهو العتاب الرقيق اللين الدال على المحبة وليس فيه محو ذنب لأن الأصل في المسألة أن  النبي R هو قائد الجيش وهو الحاكم لما يأتيه شخص يطلب رخصة أن لا يخرج معه فيأذن له، هو ما خالف شيئاً. أنت تعفو عمن يرتكب مخالفة وهو ابتداء لم يرتكب R مخالفة وإنما استعمل حقه في الإذن لهؤلاء. لكنه نوع من العتاب المحبب ولمسة لقلب رسول الله R في موضع التعليم. فيه نوع من العتاب اللين المحبب الرقيق على لغة العرب. ونحن عندنا أبيات علي بن الجهم صاحب عيون المهى لما أراد في البداية أن يمدح الخليفة قال له:

أنت كالكلب في وفائك للعهد              وكالتيس في قراع الخطوب

فقام عليه الجند فقال الخليفة دعوه وأجلسه على نهر دحلة فخرج بقصيدته:

بين الرصافة والجسر جلبن              الهوى من حيث أدري ولا أدري

فغضب عليه المتوكل لأمر ما وقرر إبعاده فعلي بن الجهم يقول ومن حق الخليفة أن يُبعد:

عفا الله عنك ألا حرمة        تعوذ بعفوك أن أُبعدا

نوع من العتاب الرقيق المحبب ونحن الآن نستعملها تقول فلان مريض أريد أن أزوره وأحد الأصدقاء يقول لك أنا زرته بالأمس تقول له: سامحك الله كنت تقول لي فأذهب معك، هو لم يرتكب جرماً حتى تقول له سامحك الله وأحياناً نقول رضي الله عنك، هو غير ملزم أن يخبرك وغير ملزم أن يأخذك معه. العرب فهمت أن عفا الله عنك ليس عن ذنب وكانوا يستعملونها عندهم كنوع من المعاتبة الرقيقة كما نقول في المثال سامحك الله. (لم أذنت لهم) هذا هو العتاب الرقيق الذي سبقته كلمة العفو وهو نوع من التعليم، ما قال له كيف اذنت لهم؟ وإنما قال (لم أذنت لهم) الرسول R دائماً في موضع التعلم من الله عز وجل دائماً والله عز وجل هو الذي علم رسوله هذه الأمور.

(عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) التبين فيه معنى الإنكشاف، تبين الشيء بمعنى ظهر وبان ووضح والصدق عادة يكون واضحاً لا لبس فيه ولا غموض فاستعمل معه الفعل يتبين. واستعمل معه الذين صدقوا ما قال الصادقين لأن هؤلاء ليسوا صادقين حتى لو صدقوا في هذه الجزئية فهم كاذبون في غيرها فما أراد أن يعطيهم صفة الصدق الملازمة لأن الإسم ملازم. ما قال الصادقين لأن كلمة الصادقين صفة لازمة الفاعل لما تقول هذا صادق أي هذه صفته لاصقة لازمة به أي صدق في هذه القصة وقد يكذب في غيرها، هم منافقون كذبوا في غيرها. هم منافقون لو انتظرت قليلاً كان سيتضح لك الذي يعتذر بصدق لكن الصدق في هذه الجزئية وما أراد أن يصفهم بالصادقين لأن وصف الصادقين وصف عالٍ، المهاجرون وُصفوا بالصادقين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) الحجرات) يقصد المهاجرين. وهذه التي استدل بها أبو بكر الصديق في السقيفة لما كانوا يدرسون مسألة من يخلف الرسول r فقال: الأنصار: منا لأننا أهل المدينة فالذي يخلف الرسول  منا، فقال أبو بكر أنتم تبع لأن الله تعالى قال عنا نحن الصادقين وأنتم قال عنكم (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) فوصفهم بوصف آخر (المفلحون) لكن على المهاجرين قال الصادقين. ما قال الصادقين وإنما قال الذين صدقوا أي صدقوا في حالة واحدة، صدق هنا.

(وتعلم الكاذبين): أراد أن يبين أن هؤلاء الذين كذبوا في الحقيقة الكذب متلبس بهم لم يكذبوا في هذه القضية فقط ولو قيل في غير القرآن :وتعلم الذين كذبوا، كأنه هنا كذبوا وقد لا تكون هذه صفة ملازمة لهم لكن لما قال (وتعلم الكاذبين) رسّخ الصفة لهم. والكذب يحتاج إلى تدقيق وإلى تبصر وإلى أناة وإلى بحث ينسجم معه العلم (وتعلم) وليس التبيين لأن الكذب ليس منكشفاً كالصدق لأن الصدق واضح، فمع الإنكشاف استعمل (يتبين) ومع الحرص والتثبت استعمل العلم الذي يليق بهذا (وتعلم). آية واحدة فيها كل هذه اللمسات!.

(حتى يتبين) ما معنى حتى؟ بدل أن يقول له كان عليك أن لا تأذن لهم حتى يكون كذا وكذا، قال (لم أذنت لهم)، هو سؤال بنوع من التلطف فبدل أن يواجه الرسول R ما كان عليك أن تأذن لهم، كان عليك أن تتوقف حتى يتبين لك، وإنما حذف الكلام وقال: (لم أذنت لهم حتى يتبين لك) ليكون كذا فـ (حتى) هي تعليلية إذن.

آية (46):

*ما الفرق بين اعتدنا وأعددنا فى القرآن الكريم ؟ (د.فاضل  السامرائى)

أعتد فيها حضور وقرب والعتيد هو الحاضر (هذا ما لدي عتيد) أي حاضر وقوله (وأعتدت لهن متكئاً بمعنى حضّرت أما الإعداد فهو التهيئة وليس بالضرورة الحضور كما في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم) بمعنى هيّأوا وليس حضروا وقوله (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة) أما في سورة النساء فقال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {18}) لأنهم ماتوا فأصبح الحال حاضراً وليس مهيأ فقط، وكذلك ما ورد في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً {37}) قوم نوح أُغرقوا وماتوا أصلاً فجاءت أعتدنا. أما في سورة النساء (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) هؤلاء لا يزالون أحياء وليسوا أمواتاً فجاءت أعد بمعنى هيّأ. ومما سبق نقول أنه في آية سورة الإنسان بما أن جزاء أهل الجنة بالحضور بصيغة الوقوع لا بصيغة المستقبل كذلك يقتضي أن يكون عقاب الكافرين حاضراً كما أن جزاء المؤمنين حاضر فقال تعالى في أهل الجنة (يشربون من كأس، ولقّاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا) وجاء عقاب الكافرين حاضراً بصيغة الوقوع فقال تعالى (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا).

آية (47):

*ما الفرق بين سمّاع وسميع في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)

سمّاع استعملها في الذمّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (41) المائدة) (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة) وسميع إستعملها تعالى لنفسه (وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) واستعملها في الثناء على الإنسان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان) وسماع لم يستعملها إلا في الذم. إذن القرآن يخصص في الاستعمال.

آية (49):

* ما اللمسة البيانية في استعمال الإفراد ثم الجمع في قوله تعالى(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) التوبة؟(د.فاضل السامرائى)

ذكرنا سابقاً أن (من) في سنن العربية يُبدأ معها بالإفراد الذي يعود على لفظ (مَن) ثم يُؤتى بالذي يفسّر المعنى وذكرنا عدة أمثلة .

يأتي بالإفراد (من) ثم يفسّر بالمعنى كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) التوبة) بدأ بمفرد (ومنهم من يقول) .

(من) تأتي للمفرد والجمع والمثنى والمذكر والمؤنث وتأتي أولاً بصيغة المفرد ثم يأتي بعدها بما يخصص المعنى وهذا هو الأكثر في القرآن إلا إذا اقتضى السياق والبيان أن يخصص ابتداءً كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) يونس).

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق